تطوير المناهج المدرسية بين الواقع والمأمول .. نظرة تفاؤل
يوسف بن عبدالله الغنبوصي مجلة شبكة الإبداع:
من المعلوم أن مستوى التعليم له ارتباط وثيق وعلاقة طرديّة بالنواحي
الاقتصادية والاجتماعية والصحية وغيرها؛ فزيادة الوعي بالقضايا والمشاكل
التي تحدث في المجتمع وكيفية التعامل معها تجنبه التعثر وتبعد عنه المشكلات
التي قد تواجهه، كما أن التعليم الجيد والوعي الصحيح يقلل من النفقات
الحكومية، ففي المجال الصحي مثلاً ندرك أن درهم وقاية خير من قنطار علاج،
والوقاية لا تتأتى إلا من خلال الوعي والتعليم والثقافة، وقد طالعتنا الصحف
مؤخرًا بأن انخفاض مستوى التعليم بشكل عام يكبد ألمانيا 1.5 مليار يورو
سنوياً.
ومن الطبيعي أن إفرازات أي نظام تعليمي ناجح هو
طالب ذكي ناقد ذو كفاءة ومستوى تعليمي رائع والعكس صحيح، وبالنظر إلى
مخرجات شهادة الدبلوم العام- أو الشهادة العامة سابقا- ثمة ضعف بَيّن وواضح
نجده لدى هذه المخرجات في المهارات القرائية والكتابية في مادتي اللغة
العربية واللغة الانجليزية، وانخفاض عام في مستوى التعليم وخاصة في العلوم
والرياضيات، الأمر الذي حدا بوزارة التربية والتعليم مؤخرًا إلى تشكيل لجنة
لتطوير المناهج الدراسية.
يؤكد ذلك الشكاوى العديدة من مؤسسات التعليم
العالي المختلفة ومن القطاع الخاص، وأيضا من الأهالي حول ضعف مخرجات شهادة
الدبلوم العام، وهذه الظاهرة السلبية أصبحت تؤرق المجتمع وتدق جرس إنذار من
ضخ مخرجات تعليمية ليست بالقليلة إلى المجتمع، وهي لا تعي إلا القليل جدا
من العلم والمعرفة، مما يترتب على ذلك الكثير من الآثار التي يصعب التنبؤ
بنتائجها على المدى القصير، لكنها قد تكون أكثر سلبية إذا استفحلت واستمرت
طويلاً، مما يستدعي جدياً الوقوف عندها ومعالجتها قبل استفحالها.
وهذه الظاهرة تستلزم منا مواجهتها والتصدي لها عبر
عدة خطوات مهمة، أهمها ضرورة تجويد وتحسين العملية التعليمية برمتها وخاصة
في المراحل التعليمية الأولى (التعليم العام والأساسي) من أجل تربية
الصغار وتنشئتهم وإعدادهم نفسيًا واجتماعيًا وعقليًا وخُلقيًا؛ ليصبحوا
مواطنين صالحين عبر نظام تعليمي رائع، وهذه بلا شك هي المهمة الأساسية
للمدرسة.
وإذ أن المنهاج إحدى ركائز التعليم المدرسي؛ فمن
الضروري مراجعته وتطويره باستمرار لتجدد المعارف، إذ تغيرت الكثير من
المعطيات والحاجيات وأنماط التفكير وأساليب الحياة، وظهرت قضايا معاصرة
عديدة لم تكن معروفة كالعولمة وغيرها، فكان لزامًا مراجعة المناهج باستمرار
والعمل على تطويرها حتى تتلاءم مع الواقع المجتمعي ومع متطلبات سوق العمل
في ضوء معايير الجودة العالمية.
ولعلنا لا نقف هنا على مجرد النقد بل نمضي إلى وضع
الحلول العمليّة والمقترحات العامة، التي قد تفتح آفاقًا أرحب في مجال
التعليم المدرسي وبالأخص في موضوع تطوير المنهاج الدراسي، وندع الكثير من
التفاصيل للجهات المعنية.
ومن تلكم المقترحات العامة والمهمة:
- أن يتوافق هذا التغيير والتطوير في المنهج مع
معايير الجودة العالمية، وبما يتواكب مع متطلبات العصر والتقدم العلمي
التقني المعرفي وبما يتلاءم مع احتياجات السوق الحالية والمستقبلية.
- دمج بعض المفاهيم والقضايا المعاصرة في المنهاج
مثل ( حقوق الإنسان وحقوق الطفل وترشيد الاستهلاك وحماية المستهلك
والمواطنة، والمظاهرات والاعتصامات، والولاء المجتمعي وحقوق الملكية
الفكرية وبراءة الاختراع.. إلخ).
- اعتبار التعليم التطبيقي واستخدام التكنولوجيا
الحديثة جزءًا مهمًا من نظام العملية التعليمية، والاستفادة القصوى من
التقنية والأساليب المتقدمة في التعليم.
- استحداث مواد دراسية، مثل: التجارة والاقتصاد
والتسويق والمحاسبة والإعلام والإدارة والهندسة والتصميم ونحو ذلك، بأسلوب
بسيط وشائق كمدخل لهذه العلوم.
- إدخال مناهج وبرامج التنمية البشرية ضمن المنهاج
الدراسي، وخاصة للصفوف العليا مثل تنمية مهارات التفكير والريادة والإبداع
والمبادرة وزرع الثقة وحل المشكلات والإقناع والحوار وإدارة الوقت ومهارات
العرض والتقديم والإلقاء والخطابة..إلخ.
- التركيز على القيّم والأخلاق والمبادئ لديننا
الحنيف، مثل: الصدق والأمانة والتعاون والتكافل والتعاطف والتراحم والتوكل
والاعتماد على النفس، واحترام الآخرين والشجاعة والعزة والعفة والصبر
والقناعة ونحوها؛ مما يعمل على تقوية الوازع الديني الأخلاقي في نفوس
الناشئة وإعداد جيل من الأبناء والبنات يتحلى بالأخلاق والفضائل والسمات
الإيجابية.
- الربط بين المقررات الدراسية والمشاكل
الاجتماعية في المجالات البيئية والصناعية والزراعية وحتى مشاكل الانترنت،
وخاصة أننا نشارك الأمم المتحدة ممثلة في اليونسكو في ما يسمى” بعقد الأمم
المتحدة للتعليم من أجل التنمية المستدامة (2005-2014)” لإدماج مبادئ
التنمية المستدامة وقيمها وممارساتها في جميع جوانب التعليم والتعلم، بهدف
معالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية التي قد
نواجهها في القرن الحادي والعشرين.
- تدريس القاعدة النورانية أو القاعدة البغدادية،
كمادة مستقلة للصفوف الدنيا الصف الأول أو الثاني، فوفقًا لبعض التجارب
الخليجية ثبت أن تدريس القاعدة النورانية أو البغدادية (وهما متشابهتان
تقريبًا) من أفضل الطرق التي تعلم الطفل القراءة الصحيحة والكتابة السليمة
والإملاء الجيد، وأن الطالب الذي يدرس القاعدة النورانية يفوق نظيره الذي
لم يدرسها بسنتين دراسيتين، وتشير بعض المنتديات التربوية أن بعض الدول
الخليجية تسعى سعيًا جادًا لاعتماد القاعدة النورانية وتطبيقها في المدارس
بعد نجاحها المذهل، ولا عيب ولا ضير في تطبيقها وإن كانت تدرس بطريقة
تقليدية دام أنها تحقق الغرض، فقد تعلم بها آباؤنا وأجدادنا وخرجتْ فيهم
العلماء والأدباء والمؤرخين.
- يجب الاهتمام بالرياضيات كثيرًا، ويمكن إدراج
مادة الرياضيات الذهنية في المنهاج، والاستفادة من الطرق العالمية في تدريس
الصفوف الدنيا للرياضيات كالطريقة الصينية في العد، والطريقة اليابانية في
الحساب (Kumon)، ومن المفيد أن ينتقل الطالب في الصفوف العليا والمتوسطة
من حسابات رياضية مملة وطرح سلسلة طويلة من الأرقام إلى المبادئ الرياضية
السهلة التي تمكن الطالب من التحليل والمقارنة، كأن يلاحظ مثلاً أن إنفاقه
في جانب أكثر من اللازم ودخله ثابت لم يتغير، فانه يلزمه أن يقلل من نفقاته
ومصاريفه في الجانب الآخر وهكذا، وقد اعتبر بعضهم أن من يدرس مادة
المحاسبة للأطفال في الوقت الحالي هم من سيقود العالم في المستقبل.
- البعد عن الحشو والكثير من الأشياء التي لا يحتاجها الطالب في حياته.
- تكثيف دراسة مادة اللغة الإنجليزية، وتنويع
أساليب تدريسها فهناك مشكلة وفجوة لا نعلم أسبابها !! إذ يتخرج أغلب طلبتنا
وطالباتنا وهم لا يستطيعون تكوين جملة مفيدة!! مع أن البعض منهم بمجرد أن
يتلقى بضع دورات خلال أشهر معدودة في بعض المعاهد نراه متقنًا للغة إلى حد
كبير! فإذن أين تكمن المشكلة بالتحديد؟ أهي في الطالب أم في المعلم أم في
المنهج أم في البيئة العامة أم ماذا؟ على العموم لا بد للجهات المعنية من
دراسة هذه الظاهرة وإيجاد الحلول المناسبة للحد منها.
- الاهتمام بالجانب الرياضي كثيراً، وينبغي أن
ننتقل من الملاعب المكشوفة إلى الصالات المغلقة متعددة الأغراض مع توفير
المعدات والتسهيلات اللازمة.
- تحويل الصفين الحادي عشر والثاني عشر إلى ورش
تدريبية وتطبيقات عملية، تؤهل الطلاب لما بعد التخرج بكفاءة عالية (ورش
ودورات في مبادئ التصميم والهندسة والعلوم والإدارة والمحاسبة والتسويق
والتجارة والاقتصاد والإعلام وأيضا في مجال التنمية البشرية والتكنولوجيا
ومهارات العرض والتقديم وتكثيف دراسة اللغة الانجليزية قراءة ومحادثة
وكتابة وأيضا غرس الأخلاق والقيم وسرد قصص النجاح والتميز في مجال المال
والأعمال، والقيام بجولات تثقيفية إلى المتاحف والقلاع والحصون، والمواقع
السياحية والمحميات الطبيعية والمصانع، والمختبرات والموانئ والمستشفيات
والمعارض … إلخ)، حينها يحق للخريج أن ينال شهادةً بلقب دبلوم بكل اعتزاز،
لأنه بذلك يصبح مستعدًا ومهيأ للمرحلة التالية، إما إكمال دراساته العليا
بتميز عالٍ أو الانخراط في سوق العمل بكفاءة عالية.
وكما نعلم أن بعض الدول والتي يحظى طلابها بنظام
تعليمي متميز، يبدأون في اختيار التخصص للمرحلة الجامعية وهم في المرحلة
الثانوية على مقاعد الدراسة.
وختاماً نأمل من القائمين على الشأن التعليمي
ابتكار أساليب متجددة ومتطورة بشكل مستمر في الأسلوب التعليمي، والاستفادة
من التغذية الراجعة للميدان التربوي، بدلاً من الجمود على أساليب معينة
لفترات طويلة، فأبناؤنا خلقوا لزمان غير زماننا، فالألعاب مثلاً متغلغلة في
نفوس الناشئة كما كان التلفاز متغلغلا في نفوس من كان قبلهم، وقد اعتبر
بعضهم الألعاب أنها لغة القرن الحادي والعشرين، وأثبتت التجارب جدوى وفائدة
الألعاب والمرح في توصيل المعلومة بشكل أسرع لدى الطلاب، وأنها أداة لحل
مشاكلهم ووسيلة للتعبير عمّا يدور في أنفسهم، وكما أننا مقبلون على مرحلة
مهمة من العلم والمعرفة لنواصل فيها تاريخ آبائنا وأجدادنا في بناء أمة
مجيدة متصلة بالماضي ومواكبة للحاضر المتجدد، ومستشرفة لمستقبل مشرق، وقد
قال كونفوشيوس قديمًا: “إذا كنت تخطط لسنة واحدة فازرع قمحًا وإذا كنت تخطط
لعشر سنوات فازرع شجرًا وإذا كنت تخطط لمائة عام فاجتهد في تعليم
الأطفال”.
والله من وراء القصد ،،،