اعلم – أخي المسلم – وفقني الله وإياك، أن العين سبب كل محنة، ومجلبة لكل بلية، فتحفظ منها جهدك، ولا تدع الشيطان يوردك موارد الهلكة بسببها، واجعل نصب عي*** قول الحق سبحانه: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم – إن الله خبير بما يصنعون" (سورة النور آية 30)
وليس الأمر موجهاً للرجال وخاصاً بهم فقط، وإنما موجه إلى النساء أيضاً، قال تعالى: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن" (سورة النور آية 31) إن المجتمع الإسلامي ليس كغيره من المجتمعات، وإنما هو مجتمع متميز، يعتمد في نشأته على الطهر والنظافة، والعفة والفضيلة، ولذلك أمرنا الله سبحانه بغض البصر. فلابد لك – أخي المسلم – وأختي المسلمة – من امتثال أمر المولى – عز وجل – لئلا تكون عاصياً، فتضر نفسك أولاً، وتؤذي المسلمين ثانياً، وكفى بذلك إثماً، وأعظم بذلك شراً. فإن امتثلت لأمر الله – سبحانه – فقد طهر قلبك، وصفت نفسك، وخلصت نيتك، وزكا عملك، وقبله منك مولاك. وغض البصر هو: "أن يكف الإنسان النظر عن الشيء الذي لا يحل له، أو يصرفه إلى جهة أخرى بعيداً عما يحرم النظر إليه، وحمل النفس على هذا الأدب يحتاج إلى إيمان ثابت وعزيمة قوية ". ولأن الرجل يشتهي، وكذلك المرأة تشتهي، فقد قرن الله النهي عن النظر إلى النساء بذكر حفظ الفرج فقال: "ويحفظوا فروجهم" تنبيهاً على عظم خطر النظر، فإنه يدعو إلى الإقدام على الفعل المحرم المنهي عنه. ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم بشأن التحذير من النظر المحرم: ولقد لفت الرسول صلى الله عله وسلم انتباهنا إلى ذلك فقال: " لا تباشر المرأة، المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها " أخرجه البخاري وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه – رضوان الله عليهن – وهن أمهات المؤمنين، ولا يحللن لهم، ومع ذلك أمرهن صلى الله عليه وسلم بأن يغضضن أبصارهن عندما دخل عليهن الصحابي الجليل عبد الله بن أم مكتوم، مع أنه كفيف البصر، فقلن له: يا رسول الله إنه أعمى ، فقال لهن: " أو عمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه " (رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح) ولم يسمح لهن بالنظر إليه، وهن أمهات له. ولقد عني الحديث النبوي عناية كبيرة بالتحذير من نظرة العين التي يراد بها السوء والتي لا تعود على الإنسان إلا بالحسرة والندامة. فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والجلوس بالطرقات، قالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بُدُّ، نتحدث فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق ؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر " أخرجه البخاري" هكذا يبين لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن للطريق آداباً يجب أن تلتزم؛ وأن فيها سنة يجب أن تتبع. ألا وإن من آدابها وسنتها، كف البصر. ومع أدب آخر من الأدب النبوي الرفيع، وهو يرشد المسلمين لما فيه صلاحهم وفلاحهم. فعن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم " (قال الألباني: حديث حسن رواه أحمد وغيره) وإذا كان الله قد أمرنا بغض البصر والبعد به عما حرم، فما الحكم – إذن – عن نظرة الفجاءة التي تأتي بلا ترصد أو تعمد ؟ ذلك ما يوضحه الحديث الآتي: فعن بريدة – رضي الله عنه – قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة " (قال الألباني حديث حسن رواه أحمد وغيره) هكذا يبين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم الحكم في نظرة الفجاءة التي تأتي عفواً، بلا تعمد أو ترصد، لا إثم عليها، ولا حرج على الإنسان منها ؛ أما إن خالطها التعمد، أو صاحبها الترصد – فحينئذ – لا يلومن الإنسان إلا نفسه ؛ يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وعن جرير قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة فقال: "اصرف بصرك " رواه مسلم وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه يؤثر في القلب فأمر بمداواته بصرف البصر. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه "رواه مسلم إن الجوارح لم تخلق لكي يعيث بها الإنسان فساداً في الأرض، وإنما خلقت لكي تكون عوناً على فعل الطاعات وتحصيل المنافع والخيرات فعليه أن يهذب جوارحه لأنه مسئول عن كل ذلك قال تعالى: "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً" (سورة الإسراء آية 36) ولقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم أروع مثل في غض البصر، فقد كان عفيف النظرة، شديد الحياء، وكان أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان لا يثبت نظره في وجه أحد. ولقد عدد الإمام ابن القيم الجوزية – رحمه الله – فوائد غض البصر في كتابه " روضة المحبين ونزهة المشتاقين " وكذلك كتاب " فقه النظر " للشيخ كلكل، و " الترغيب والترهيب " للمنذري، نذكر طرفاً من ذلك بتصرف لتعم الفائدة:
1 - أنه امتثال لأمر الله، وما سعد إنسان في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامر الله.
2- يقوي القلب ويفرحه، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه. 3- يمنح القلب إشراقاً ونوراً يظهر في العين وعلى الجوارح، ولهذا ذكر الله آية النور "الله نور السموات والأرض مثل نوره … " (سورة النور آية 35 الآية) عقب الأمر بغض البصر.
4- أنه يورث القلب أنساً بالله، فإن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتت الفكر.
5- يورث الفراسة الصادقة " من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات، واعتاد الحلال لم تخطئ له فراسة ".
6- يورث القلب ثباتاً وشجاعة فيجعل له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة، وفي الأثر: " إن الذي يخالف هواه، يفرق الشيطان من ظله ".
7- يورث القلب سروراً وفرحة وانشراحاً.
8- يخلص القلب من أسر الشهوة كما قيل: " طليق برأي العين وهو أسير ".
9- يسد عنه باباً من أبواب الشيطان.
10- أنه يقوي عقله ويزيده ويثيبه.
وأعقل الناس من لم يرتكب سبباً*** حتى يفكـر مـا تجني عواقبه
11 يخلص القلب من سكر الشهوة ورقدة الغفلة، فإن عشاق الصور كما قال الله تعالى: "لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون " (سورة الحجر آية 72)
12- - أنه يسد على الشيطان مدخله إلى القلب، فإنه – لعنه الله – يدخل مع النظرة وينفذ إلى القلب.
13- يفرغ القلب للتفكر في مصالحه والاشتغال بها، فإن النظر يصرفه عن ذكر ربه قال الله تعالى: "ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً " (سورة الكهف آية 28 )
14- أنه مهر للحور العين " نساء الجنة "
15- إطلاق النظر يجعل القلب لا يتلذذ إلا بالمحرم.
ألم تر أن العين للقلب رائد***** فما تألف العينان فالقلب آلف
16- إطلاق النظر إجهاد للجسم والعينين:
وكنت متى أرسلت طرفك رائداً***** لقلبك يوماً أتعبتك المناظـر
رأيت الذي لا كله أنت قـادر ***** عليه ولا عن بعضه أنت صابر
17- يوفق في طلب العلم كما قال الإمام الشافعي:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ***** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال: اعلم بأن العلـم نـور ***** ونـور الله لا يؤتى لعاصي
18- وما أحسن قول الشاعر الذي عبر عن ذلك شعراً فقال
كل الحوادث مبـداهـا النظـر ***** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها***** فتك السهام بلا قـوس ولا وتر
والمـرء ما دام ذا عيـن يقلبهـا***** في أعين العين موقوف على الخطر
يسـر مقلتـه مـا ضـر مهجته***** لا مرحباً بسرور جاء بالضرر
إن ما نراه الآن من ارتكاب للجرائم الفظيعة التي تقشعر منها الأبدان، ويندى من خزيها وخستها الجبين، والتي ما عرفناها – معشر المسلمين – على مدى التاريخ من قتل للأبناء والأزواج من أجل الحصول على الشهوة المحرمة إلا وكان السبب من وراء ذلك كله هذه النظرة المحرمة الشيطانية التي تتلوها خطوات الشيطان الذي أمرنا بمخالفته في قوله تعالى: "يأيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر" (سورة النور) فاحذروا عباد الله النظرة المحرمة. سئل الجنيد: بم يستعان على غض البصر ؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق إلى ما تنظره.
قال عمر – رضي الله عنه – " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتهيأوا للعرض الأكبر ". قال تعالى: "يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية" (سورة الحاقة آية 18)
ويقال إن إبليس – لعنه الله – يقول: قوسي القديم، وسهمي الذي لا يخطئ النظر. ومهما يكن من أمر، فما أشد خوفنا لو تذكرنا حق التذكر قول ربنا عن رقابته وإحاطته بنا قال تعالى: "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" (سورة غافر آية 19) والعين الخائنة هي التي تنظر في تستر واستخفاء. وقد قيل: إياكم والنظرة فإنها تزرع في القلب شهوة وكفى بها فتنة. وقيل: لا يزني فرجك ما غضضت بصرك. وقيل: رب نظرة كانت بذرة لأخبث شجرة. مقتبس من كتاب فوائد غض البصر جمع وإعداد أبو حذيفة إبراهيم بن محمد بتصرف يسير
منقول
أخوكم فى الله تعالى / عبدالرحيم
-----------------------------
منقول