الشروط اللازمة للبدء بإصلاح الأسرة
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وقودها النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عليها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{
((كلُكم راعٍ، وكُلكم مسؤُولٌ عن رعيته، والأميرُ راعٍ، والرجلُ راعٍ على أهل بيته، والمرأةُ راعيةٌ على بيت زوجها وولده، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيتِه)).
إن ملف الأسرة المسلمة ملف خطير جداً ومهم بكل ما في الكلمة من معنىً وذلك لأن الأسرة المسلمة هي أخطر الحصون المستعصية على أعداء الدين.
إنَّه هجوم من نوع مختلف، هجومٌ يركب الهواء والفضاء، وأعداءُ الدين يحاولون بكل ما أوتوا من قوةٍ تفكيك هذا الحصن الأخير وضربَه في الصميم، وحتى الآن والحمد لله ما زالت بعض الأسر مستعصية على هذا الهجوم لكن قسماً كبيراً منها سقط وأيما سقوط.... !
}وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{.
هذا إصرار أعداء الدين فما الذي يقابله من المسلمين ؟!
وإلى متى نقف متفرجين، غير عابئين بالأخطار التي تهددنا من كل جانب.
وممَّا يزيد هذا الأمر خطورة:
أنَّ المسلمين اليوم قد تعلموا الكثيرَ من العلوم الطبية والهندسية والكيميائية، ولكن نسوا علماً مهماً جداً هو علم الهندسة البشرية، كيف نربي أولادنا وكيف نجعلهم يرتقون إلى حمل الرسالة الإلهية.
إن الحفاظ على الكائن البشري على قيد الحياة هو سهل جداً، هو فعل تفعله كل المخلوقات، لكن المشكلة الكبرى هي تحويل هذا العنصر البشري إلى عنصر فعال ونشيط.
إن مهمة الآباء والأبناء والأمهات تكاد تنحصر في هذا الزمن في المطعم والملبس، وإن كان هناك اهتمام فإنه يرضي غرور الأبوين،
ومما يزيد هذا الأمر خطورة:
أنَّ واقع أسرنا واقعٌ مأساوي في أغلبه إلا من رحم الله، "فالأب مشغول والأم في الأسواق" والأولاد لا يُعرف لهم طريق ولا اتجاه، وقد أوكلنا تربيتهم إلى الظروف....
إن الإسلام أكد أن الآباء يلعبون دوراً مهماً في التربية عندما قال : ((.... فأبَواهُ يُهودانه أو يُمَجِسانه أو ينَصِرانه))، وهذا حثٌ للآباء على عدم ترك أولادهم ليتحكم الشارع والظروف في تربيتهم.
الشـروط اللازمة للبدء بإصلاح الأسرة:
لا شك في أن كل واحد يريد لابنه أن يكون أحسن منه حالاً أو مثله على الأقل، لقد أثبت الله هذه العاطفة على لسان سيدنا إبراهيم:}قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي....{ .
في هذه اللحظات، لحظاتِ القرب من الله عزّ وجلّ لم ينسَ إبراهيمُ أولادَه وذريتَه. وكلمة ( إماماً ) هنا ليس معناها النبوة فقط على ما ذكره المفسرون وإنما الإمامة في الخير.... فهذه عاطفة متجذرة، لكن نريد لأولادنا أن يكونوا أفضل حالاً فأي إمامة نريد منهم، إمامة خير أم إمامة شر؟!
إن بيوتنا هي الملاذ الأخير لنا ولا سيما في زمن هذه الفتن التي شبهها r بأنها "كقِطَعِ الليلِ المظلمِ يُمسي الإنسانُ مؤمناً ويصبح كافراً، ويُصبح مؤمناً ويمسي كافراً، يبيع دينه بِعَرضٍ من الدنيا".
إنه في زمن الفتنة وجه r إلى البيوت فقال: ((ولْيَسَعك بيتُك وابْكِ على خطيئَتِك)).
أما إذا كانت البيوت هي الفتنة وكان البيت يموج بالفتن المختلفة فأين يذهب الأبناء وأين تذهب الزوجات ؟
كيــف الخــروج ؟؟
هناك ثلاثة شروط رئيسة للانطلاق في موضوع إصلاح الأسرة:
1 ـ الاستعانة بالله عزّ وجل: ]إياك نعبد وإياك نستعين[.
وكما يقول الرافعي:
فكلّ سهل إذا لم ******* يوفق الله له صعب ([1])
وما تكرار الاستعانة في اليوم أكثر من سبع عشرة مرة أثناء قراءة الفاتحة في الصلاة إلاَّ ليتعلم المسلمُ تَكرار الاستعانة بالله سبحانه، والاستعانُة ليست مجرد تكرار ألفاظ، إنما هي في حقيقة الأمر التوجهُ القلبيُ لما يريد أن يفعل، ثم مباشرة العمل الذي يريد بعد ذلك .
2 ـ التربيةُ بالقدوة:
قال تعالى: }أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ{.
فلا يمكنك تحويل أسرتك إلى الخط الصحيح والمنهج السليم إذا ما زلت منحرفاً عن هذا الخط.
مهما دفعت ولدك إلى الصلاة في المسجد لن يؤثر ذلك فيه، وإنَّ اصطحابه مرةً واحدة أو رؤيتَه لكَ تدخل المسجدَ أفضلَ بكثير من كثير من النصائح.
ومهما دفعتَ ولدك إلى التوقف عن التدخين لن يؤثر ذلك فيه إلا إذا رأى ذلك فعلاً وتطبيقاً منك.
ومهما دفعت ولدك إلى الإقلاع عن مشاهدة البرامج المسيئة فلن يؤثر ذلك فيه إذا لم تقم أنت بالخطوة الأولى.
3 ـ أن يُعلِّم الرجلُ زوجَه وأولادَه أنه يحب الحقَ واتباعَه حتى لو جاء على أي لسان وليس عنده في ذلك أدنى مشكلة .